Wednesday, January 2, 2013


التقيت قبل فترة وجيزة بإحدى الزميلات في الجامعة من غزة-فلسطين، تحدثنا بعجالة عن الأدب العربي وأخذنا النقاش الى رواية ذاكرة الجسد لأحلام مستغانمي. من جانبي، لم تعجبني الرواية أبداً، الرواية جذابة في بدايتها لكنها في معظمها تصر على نوع معين من عروبة لا أرتاح اليه. ليس من السهل شرح ذلك الآن. قد تشد القارئ في البدايات لكنها مثل بعض الأشخاص أو القطع الموسيقية أو المناظر الطبيعية تبهرك في البداية لكنها لا تترك فيك أي أثر مستدام.ـ

كنت قد قرأتها (لم أكملها حتى النهاية) كجزء من مقرر مادة الأدب العربي الحديث في الجامعة، ولعل كون الرواية أول رواية لامرأة جزائرية تكتب باللغة العربية أعطت الرواية قيمة عالية في الوسط الأكاديمي.  روايات وقصص عادية أخرى مثل قنديل أم هشام ليحيى حقي، وزينب لهيكل، وأولاد حارتنا لمحفوظ أيضاً تدرس ضمن مناهج مادة الأدب العربي الحديث في الأكاديمية الغربية.  وهي برأيي تقرأ لأغراض أكاديمية بحتة كتحليل التاريخ الاجتماعي والسياسي الخ..ـ 

لكني لم أقل كل ما عندي لزميلتي، لأنها سرعان ما بدأت بشرح ولعها برواية ذاكرة الجسد، تذكرها هذه الرواية بحصار غزة عام ٢٠٠٦، لأنها كانت
حينها متبرعة  لاطعام الناس في الملاجئ، وفي استراحتها من ويلة الحصار والموت كانت تستلقي وتقرأ ذاكرة الجسد مع انقطاع الكهرباء المتواصل، فالكتاب مرتبط بتلك اللحظة الخاصة التي عاشتها.  بعدها احتفظت برأيي النقدي تجاه الرواية، واكتفيت بالاستماع الى روايتها هي والكتاب والحصار، وكانت هذه العلاقة رواية أخرى بطلتها هذه القارئة. ولو أني تبجحت وانتقدت الرواية حينها لكنت أفسدت كل شيء حتما.ـ. 

أتذكر أيضاً علاقة والدي -رحمه الله- برواية (موسم الهجرة الى الشمال) للطيب صالح. كان يردد الأسطر الأولى فيها (عدت الى أهلي يا سادتي بعد غيبة طويلة) كمن يردد قصيدة.  قرأتها لأول مرة عام ٢٠٠٢ في ستاربكس-الجامعة في بلومنغتون انديانا، واتصلت به حينها وقلت له: الرواية جيدة، لكني لم أبهر بها.  فكان رده بما معناه : هذه الرواية قرأتها وأنا في السجن وكانت الشيء الوحيد الذي أملك حينها.ـ
 
أغلقت الهاتف ثم التفت حولي وخجلت من مدى سخف رأيي هذا، بل سخف هذا التمحور حول الذات وافتراض بأن رأيي النقدي مهم أساساً. قلت حينها رأيي دون أن أعي أن القراءة والنقد لا يتمان في فراغ. بل القراءة حالة ملتبسة غير محايدة ولا موضوعية، بين لحظة القارئ ولحظة الكاتب. وكما أن لكل كاتب لحظة كتابة خاصة،  فللقارئ أيضاً لحظة القراءة الخاصة، الظرف الذي تمت القراءة فيه، المكان، الحالة الوجدانية والنفسية، الاضاءة، خاصية الطبعة، الأوراق، المزاج، كل الباقة المرافقة للقراءة. هناك علاقات تفرضها الحياة بين عوالم الكتاب وعوالم قارئه، هي فوق كل الاعتبارات والآراء التي تتشكل في مقاعد ستاربكس الوثيرة.ـ
 
 وكذا تقاس الأشياء، فخفف الوطء.ـ

5 comments:

  1. لك أسلوب خاص وجميل، مبدع فوق العاده دايما

    ReplyDelete
  2. شكرأ على التعليق، وكرر الزيارة أرجوك

    ReplyDelete
  3. عفوا ..👏🏻👏🏻 في انتظار كتابات اجمل

    ReplyDelete

تعليقات