Wednesday, January 20, 2016

في رثاء الصديق عبدالله الفريح


في رثاء الصديق عبدالله الفريح.

ما يحزن أكثر من الفقد، هو ذلك العجز الكلي عن التعبير عنه.

فعبدالله لم يكن ذلك الصديق الذي كنت أراه يومياً، ولا هو ذلك الذي كنت أكلمه بشكل متصل، فعلامَ يتملكني هذا الحزن، وهذا الدمع، وهذا الإحساس الهائل بالفقد؟

 لأكثر من خمس سنوات مضت كان عبدالله لي ذلك الرجل برقبته المنحنية في زاوية المقهى يقرأ كتابه، أدخل فيعتدل ويسلم واقفاً ثم يعود إلى هدأته، وأحياناً كان يكلمني عن نظرية التأويل ويرسم دائرة في الهواء- لا بداية ولا نهاية، أينما دخلت فأنت تدور- أو يحدثني عن نغمة الصبا زمزمة ،وغالباً فهو لا يتحدث، إلا أن حضوره يعطي المكان اعتياده وألفته، أسافر سنة وأعود وهو هناك في زاوية المقهى هدأة ودخان وكتاب، أي لحظة سأدخل وأرى عبدالله، أي لحظة سيدخل عبدالله.

وهو في زمن سابق كان ذلك الشاب المتعدد المواهب الذي كنت أتطلع إليه في يفاعتي، رأيته ضمن حملة والدي في الانتخابات يدخل أجهزة الكمبيوتر الثقيلة الى غرفة الكونترول وبعد إعلان النتائج يخرج هادئاً كجنرال، وهو ذلك الفنان الذي كان يركب ويلحن الأغاني الساخرة (-كيت وكيت داير مدارج يا كويت-)، وهو صاحب نكتة المنطق الطويلة والرهيبة، والتي لا يمكن أن تعاد دون أن تعقبها ضحكته الهادئة.

وعندما كنت أدرس في الخارج كنا نتحادث في المسنجر وقد بعث إلي يوماً نصاً مسرحياً قد كتبه عن رجل وامرأة قد أصابهما الملل من عقليهما فذهبا الى حانوت يستبدل العقول حسب المواصفات، كم كان شعوراً جميلاً حينها أن أعرف شخصاً يزيد الدنيا جمالاً، وبعد سنين تعارفنا من جديد في عالم المدونات بأسمائنا المستعارة، لسنوات كنت شاهداً على عبدالله وهو يسقي نبتته في الظل قراءةً واطلاعاً وشغفاً وكرماً، ومع كل هذه السعة المعرفية والروحية فلم يكن عبدالله يأبه، مكتفياً بكتابه وهدوئه وأصدقائه وكرسيه في المقهى.

فقد كان
حبيباً قريباً دائماً ، في “الدائرة” ذاتها -في المقهى والانتخابات والمدونات والمسنجر والوالد والأصدقاء المشتركين- فكيف لا أسميك صديقاً عزيزاً؟ وكيف لا أرثيك؟

كم كنت وفياً في رثائك لوالدي حينها وصادقاً، أودعتَه حين غادر "سلاماً عظيماً كبيراً" لوالدك الذي سبقه، وأنا اليوم أحملك السلام ذاته لك ولهما فانعموا بالسلام. وحين كتبتَ عن أبي، استحضرتَ منه ما لا يعيه إلا أولئك المختصين بالوجد في تلك الدائرة الروحية المتجاوزة لليومي والظاهر والمتعارف عليه إلى لحظة الانسان الصرفة ووحدته أمام الله.  وها أنت يا عبدالله هناك وحدك كما كنت دائماً، بين يدي رب عظيم رحيم، وروحك الهادئة تنعم بالهدأة العلوية. 

رحمك الله يا صديقي
ويبقى وجه الله الدائم القادر المتعال،

No comments:

Post a Comment

تعليقات