Saturday, September 9, 2017




ملخص محاضرة قصيدة الغوص: قراءة تاريخية في معهد الدوحة 
  ٢٠١٧


فبراير، 2017

في هذه المحاضرة العامة بعنوان "مذكرات بحار: تأطير تاريخي لقصيدة الغوص بحثا عن اللؤلؤ في الخليج"، تتبع طارق الربعي، زميل أبحاث ما بعد الدكتوراه بمعهد الدوحة، تراث الغوص بحثا عن اللؤلؤ، انطلاقا من الوقوف على ثلاثة مستويات: المستوى العامي والمستوى الفصيح والمستوى العالمي. حيث ناقش ارتباط تاريخ المنطقة بالبحر، من خلال رحلتين أساسيتين: رحلة الغوص لأربعة أشهر، والسفر بغرض تجاري، مع استعراض مظاهرهما في قصيدة الغوص، مشيرا إلى أن أهم ثيمات تلك القصيدة هو الدَين، علما بأن اقتصاد الغوص قائم على الدين في سلسلة طويلة لتراكمات الدين، ومن ثمة كانت موضوعة حاضرة بقوة في الشعر. كما أشار إلى أن رحلات الغوص استمرت إلى حدود ثلاثينيات القرن العشرين، ليتم الانتقال بعدها إلى الرحلات التجارية باتجاه الساحل الإفريقي والهند. وقد تطرق الربعي إلى وصف رحلة الغوص في المستوى العامي، مستعرضا نماذج شعرية شملت قصيدة عبد الله الدويش، "الغنية بالإحالات الجغرافية، ورحلة سفر، والتبادل التجاري والثقافي"، وقصيدة عبد الله راشد العليوة التي يخاطب فيها الرفاق، ويعلن الحنين إلى البر"، ثم قصيدة سالم بن جمعان الحضينة، وقصيدة زيد الحرب التي تضمنت نقدا مباشرا للسلطة، وتسمية الأشياء بأسمائها.

كما أشار الربعي إلى أن المعاجم الخاصة بالألفاظ البحرية تكشف خليط اللهجات بالمحيط الهندي، وتأثرها بلغات مختلفة كالبرتغالية والفارسية والهندية، مستعرضا الملامح الرئيسة لقصيدة الغوص في هذا المستوى: وهي المعرفة البحرية، والنقد الصريح للسلطة، والوعي النقدي الشعبي، والافتخار بالذات، وإيراد أحداث تاريخية متفرقة.

بعد ذلك، انتقل الربعي إلى وصف رحلة الغوص في المستوى الفصيح، مستشهدا بقصيدة محمد الفايز: مذكرات بحار، ومشيرا إلى أن الفايز كان موظفا لم يركب البحر قط (رجل بيروقراطي)، وقد استعرض الربعي بعض المذكرات التي تصف كل منها حياة بحار، ملاحظا أن المذكرات تعد أول قصيدة تكتب بالفصحى عن الغوص. ووفقا للربعي، فإن القصيدة، التي نشرت عام 1964، تعد ملحمة أسطورية لترسيخ ذاكرة وطنية، بعد سنتين من استقلال الكويت وبعد كساد سوق اللؤلؤ والتحول إلى سوق النفط، والالتفات من الشرق إلى الغرب، حيث جرى هدم المدينة القديمة المرتبطة بالبحر، ومن ثم برزت الهواجس الضمنية في التراوح عند معالجة التراث ما بين الاحتفاء والاحتماء به. ولكن الربعي أضاف أن هناك ملمح لفراغ ثقافي يدفع باتجاه محاولة لإعادة تشكيل الذاكرة الجمعية الوطنية.

وعند الإشارة إلى تحديات الانتقال من العامي إلى الفصيح، أوضح الربعي أن نقل المصطلحات من العامية إلى الفصحى يعد أحد هذه التحديات، حيث أصبحت المصطلحات مفارقة للواقع، ومن ثم صارت تعرض في القصيدة بطريقة "متحفية"، إلى جانب ورود المصطلحات بكثافة خارج سياقها. وعن ملامح التحول، أشار الربعي إلى أسطرة صورة البحار "السندباد" (السندباد لم يرد في القصائد العامية) وإخراجه من التاريخ الفعلي، وتصفية التراث من التاريخ الهندي، والتأثر بالشعراء التموزيين من حيث كون الغواص رمزا للبعث. بعد ذلك، انتقل الربعي إلى وصف رحلة الغوص في المستوى العالمي، التي عدها "لحظة انكشاف أخرى أمام العالم"، حيث حل الدور على المنطقة لتثبت بدورها أننا عالميون، مستدركا أن التراث البحري لا يعطى شرعية إلا باعتراف القوي العالمية به، ومشيرا إلى حال مدينة الزبارة كمنطقة مغلقة مخصصة للنفوذ العالمي، وليست مفتوحة أمام السكان المحليين (خطأ في النقل: ما قلته أن المناطق التراثية عادة لا تسوق محلياً)، وبالتالي صارت اللؤلؤة التي كان البحار يقتلعها من أعماق البحر ديكورا للفرجة، معروضا للآخر (مرسى أربيا Porto Arabia)، ومختتما بالتناقض المتمثل في عملية دفن البحر وخلق أصل من عدم كرمز لعملية التحديث المعاصرة.


Link: https://www.dohainstitute.edu.qa/EN/Research/FR/RP/TCI/PA/Pages/A-Historical-Profile-of-Pearl-Diving-Poetry-in-the-Gulf.aspx

Thursday, August 31, 2017

متخسسو الخليج

متخسسو الخليج


قبل سنتين، وبعد أن أنهى الكاتب الليبي ابراهيم الكوني محاضرته في جامعة ساوس-لندن، قام أحد الحضور معلقاً بلغة عربية مكسرة وبنبرة واثقة جداً، بأن ثمة تشابه كبير بين ما طرحه الكوني في محاضرته وبين الكتاب الأخضر للقذافي، فقاطعه الكوني سائلاً: هل قرأت أي من أعمالي؟ فرد السائل: لا لم أقرأ لكنني أستنتجت ذلك مما طرحته اليوم، ثم أردف: أنا أساساً “متخسس” في الشؤون الليبية، وحينها انفجر الكوني: أنت متخسس! والله هذه كارثة ! واستمر الكوني في هجومه بلا هوادة حتى غضب المتخسس وخرج من القاعة.

ليلتها خرجت من المحاضرة نشوان، كان رده النيئ المباشر الوقح  بعيد عن الحصافة الأكاديمية الزائفة، التي لطالما منعتنا من تسمية الأشياء بمسمياتها عندما نواجه بوقاحة المتخسسين ذاتهم. فهذا الطالب المتخسس في الشؤون الليبية لا يمكن له أن يرى الكوني إلا كعينة انثروبولوجية، وليس مهماً له أن يقرأ أعمالاً روائية للكوني أو لأي شخص ليبي حتى يحكم عليه، فالاطارات المعرفية في ذهنه جاهزة، فبامكانه فهم الشعب الليبي كله من خلال قراءة الكتاب الأخضر.  فالكوني مهما حاول في تنظيراته الأدبية والفكرية فهو لأؤلئك المتخسسين مصدر معلومات ليس إلا، ولا يمكن أن يكون نداً ومصدراً للمعرفة.

والمتخسسون من جنس الطالب ذاك يتكاثرون بشكل أكبر في دراسات الخليج، فدراسات الخليج فيها وفرة مالية وهي من المناطق التي من الممكن عملياً أن يدرسها الباحث الغربي ويستقر فيها بعدما أصاب العواصم العربية الأخرى ما أصابها، ولا يخلو هذا الاهتمام المبالغ به في المنطقة من عقدة الخواجة التي ما زالت تؤثر على الكثير من الممولين والفاعلين في الخليج، ثم الأهم من ذلك وهو الافتراض المضمر في الكثير من البحوث التي تتناول الخليج على أنها منطقة سهلة الفهم والتشريح، فهؤلاء سنة وشيعة، وبدو وحضر، ومؤخراً أوغلوا في التشريح، فهناك من هو متخسس في الخليجيين من أصول أفريقية، والنجديين، العجم الشيعة، الهولة إلخ. وهي كلها محاولات حثيثة غير بريئة لرسم خارطة تكشف المنطقة بشكل كلي، والسؤال هو: تكشفه لمن ولأي سبب؟  وهناك تيار آخر يفترض أن الخليج كتلة رملية هلامية سيالة، خليط كوزموبوليتاني عجيب، ظاهرة تاريخية استثنائية طارئة، تتأثر بكل شيء ونادراً ما تؤثر على أحد. ولا أدل من ذلك إلا عدم جدية الكثير من الباحثين الذين لا يتقنون اللغة العربية قراءة وكتابة ولا يعتمدون إلا على المصادر الغربية أو المترجمة.

فأنتَ تجلس في هذه المؤتمرات المقامة في بريطانيا وأمريكا وتسمعهم يتحدثون عنا (أي المجتمع الخليجي)، وكأننا لسنا في الغرفة معهم، كأننا فصيل بشري نادر من زمن آخر،  ولا تخلو النبرة الأكاديمية من التندر على سذاجة المجتمعات التي ما زالت تتبنى الأطر الوطنية والقومية والدينية.  والأمثلة عديدة بعضها مباشر وآخر متستر بالديباجات الأكاديمية والكلام الكثير قليل البركة.  أذكر ورقة قدمت عام ٢٠١٤ لأحد الانثربولوجيين الأوربيين عن الهوية الوطنية الاماراتية، حكى لنا عن منهجيته ونظريته الفذة، فالرجل قام (بالملاحظة المرئية) لعينة من سكان امارة رأس الخيمة في يوم العيد الوطني، بعد يوم كامل من الملاحظة الانثروبولوجيا الدقيقة استخلص نظرية عبقرية: الهوية الوطنية في الإمارات تنقسم إلى ثلاث أبعاد: الشارع (حيث يحتفل الإمارتيون المواطنون)، الرصيف (حيث خليط بين الوافدين والمواطنين)، والحدائق العامة (الوافدون). ثم بكل ثقة يتبجح بنبرة الباحث المتأكد من نظريته.

ولا يزيد الطين بلة إلا جماعتنا، الذن متى ما أتاهم باحث -طبعاً أمريكي أو أوروبي- تجدهم يفتحون له الأراشيف ويفصحون له عن كل شيء، تفضل تخسس بنا كما تريد! وبعض الأكاديميين من المنطقة لو جلست معهم لا يردون عليك إلا باللغة الانكليزية (اللهجة الأمريكية بشكل خاص)، إذا حدثتهم بالعربية نفروا منك ومن فظاظتك (عربي كخ)، فاللغة التي تفرضها السوق الأكاديمية للنشر والتقدم الوظيفي تفرض أحياناً عليهم أن يقوموا بإعادة تدوير الأطر المعرفية التخفيضية ذاتها والثنائيات الكسولة، يتعاملون مع المنطقة بالروح ذاتها وكأنهم لا يسكنونها ولا يرتبطون بها مصلحياً ولا معنوياً. وفي السنوات الأخيرة تم استيراد تلك المؤتمرات المقامة في بريطانيا وأمريكا حول دراسات الخليج إلى المنطقة، وقبل فترة قصيرة حضرت أحدها، وجلست بينهم غريب اليد والوجه واللسان، أستمع للمتخسسين يشرحون ويحللون بكل ثقة، وكنت أتساءل حينها: أين أنت يا ابراهيم الكوني؟

Wednesday, January 20, 2016

في رثاء الصديق عبدالله الفريح


في رثاء الصديق عبدالله الفريح.

ما يحزن أكثر من الفقد، هو ذلك العجز الكلي عن التعبير عنه.

فعبدالله لم يكن ذلك الصديق الذي كنت أراه يومياً، ولا هو ذلك الذي كنت أكلمه بشكل متصل، فعلامَ يتملكني هذا الحزن، وهذا الدمع، وهذا الإحساس الهائل بالفقد؟

 لأكثر من خمس سنوات مضت كان عبدالله لي ذلك الرجل برقبته المنحنية في زاوية المقهى يقرأ كتابه، أدخل فيعتدل ويسلم واقفاً ثم يعود إلى هدأته، وأحياناً كان يكلمني عن نظرية التأويل ويرسم دائرة في الهواء- لا بداية ولا نهاية، أينما دخلت فأنت تدور- أو يحدثني عن نغمة الصبا زمزمة ،وغالباً فهو لا يتحدث، إلا أن حضوره يعطي المكان اعتياده وألفته، أسافر سنة وأعود وهو هناك في زاوية المقهى هدأة ودخان وكتاب، أي لحظة سأدخل وأرى عبدالله، أي لحظة سيدخل عبدالله.

وهو في زمن سابق كان ذلك الشاب المتعدد المواهب الذي كنت أتطلع إليه في يفاعتي، رأيته ضمن حملة والدي في الانتخابات يدخل أجهزة الكمبيوتر الثقيلة الى غرفة الكونترول وبعد إعلان النتائج يخرج هادئاً كجنرال، وهو ذلك الفنان الذي كان يركب ويلحن الأغاني الساخرة (-كيت وكيت داير مدارج يا كويت-)، وهو صاحب نكتة المنطق الطويلة والرهيبة، والتي لا يمكن أن تعاد دون أن تعقبها ضحكته الهادئة.

وعندما كنت أدرس في الخارج كنا نتحادث في المسنجر وقد بعث إلي يوماً نصاً مسرحياً قد كتبه عن رجل وامرأة قد أصابهما الملل من عقليهما فذهبا الى حانوت يستبدل العقول حسب المواصفات، كم كان شعوراً جميلاً حينها أن أعرف شخصاً يزيد الدنيا جمالاً، وبعد سنين تعارفنا من جديد في عالم المدونات بأسمائنا المستعارة، لسنوات كنت شاهداً على عبدالله وهو يسقي نبتته في الظل قراءةً واطلاعاً وشغفاً وكرماً، ومع كل هذه السعة المعرفية والروحية فلم يكن عبدالله يأبه، مكتفياً بكتابه وهدوئه وأصدقائه وكرسيه في المقهى.

فقد كان
حبيباً قريباً دائماً ، في “الدائرة” ذاتها -في المقهى والانتخابات والمدونات والمسنجر والوالد والأصدقاء المشتركين- فكيف لا أسميك صديقاً عزيزاً؟ وكيف لا أرثيك؟

كم كنت وفياً في رثائك لوالدي حينها وصادقاً، أودعتَه حين غادر "سلاماً عظيماً كبيراً" لوالدك الذي سبقه، وأنا اليوم أحملك السلام ذاته لك ولهما فانعموا بالسلام. وحين كتبتَ عن أبي، استحضرتَ منه ما لا يعيه إلا أولئك المختصين بالوجد في تلك الدائرة الروحية المتجاوزة لليومي والظاهر والمتعارف عليه إلى لحظة الانسان الصرفة ووحدته أمام الله.  وها أنت يا عبدالله هناك وحدك كما كنت دائماً، بين يدي رب عظيم رحيم، وروحك الهادئة تنعم بالهدأة العلوية. 

رحمك الله يا صديقي
ويبقى وجه الله الدائم القادر المتعال،

Wednesday, June 17, 2015

العودة الى الفصل -مدرساًـ

فيما أنا أتوجه الى الفصل -مدرساً في الجامعة هذه المرة-، توقفت أمام مرآة قريبة، أطلت النظر وتساءلت “كيف وصلت الى هنا”؟ كيف انتقلت الى الضفة الأخرى؟ من أنا لأقيم الطلبة؟ وهل هذا اللقب الذي ألصقوه بي (أستاذ) يكفي؟ وماذا أتوقع منهم؟ وكيف أزن توقعاتي؟

  ثم عدت الى تجربتي طالباً في الجامعة لأقيس، أي طالب كنت ؟ وما الذي بقيَ معي من دراستي للتسويق في كلية التجارة في جامعة انديانا بعد هذه السنوات؟
 

  * * *

 الحضور والغياب في الفصل مسألة تتعدى السجل، فأغلب مواد الجامعة كانت تتطلب الحضور الإلزامي. ولكن ما معنى أن أكون حاضراً وأنا في كل مكان عدا الفصل؟ أستطيع القول واثقاً بعد عشر سنوات تقريباً بأنني لا أتذكر شيئاً ذا قيمة من دراستي للتسويق أو الإدارة بشكل عام

يقال بأنك اذا أعطيت العلم كلك أعطاك بعضه، ففي دراستي في كلية التجارة كنت أعطي العلم أقل من بعضي ولم أرد مقابلاً . وذلك لأني لم أهتم قط بالتجارة لا على المستوى النظري ولا العملي، ولعلي أقول بعد مرور هذه السنوات أنه لم يحركني أو يشدني أي موضوع يتعلق بالتجارة إلا تكلفاً. فالمجال أبعد ما يكون عن اهتماماتي (التي لم تكن ”عملية“ أبداً)، ولكني في تلك السن ظننت بأن كل الطلبة مثلي، وأن الدراسة واجب اجتماعي علي القيام به، أؤديها وكأنها عقوبات متتالية
.
 
أكثر ما نفرني من الدراسة في كلية التجارة هو الجانب العملي. إختزالات وتسطيحات وقفز فوق الأسس النظرية إلى الممارسات العملية الدبقة، كنت أشعر بأني في قطار متسارع، تريده أن يقف لحظة ولكنه لا يأبه. كأنك مسمار في آلة كبيرة لا ترحم. كنت أتخيل أن الكلية تتعامل معنا بطريقة التصنيع بالتجميع (أسمبلي لاين)، نضع أقدامنا في بداية شريط التصنيع حالما نقبل ثم يتحرك الشريط سنة بعد سنة فيقومون بتركيب القطع علينا قطعة قطعة، حتى نخرج آخر الشريط منتجات نهائية متماثلة جاهزة لمنافسة سوق العمل. من أمثلة الانهماك في الآلة ما درسونا في مادة (سيكولوجيا المشتري)، وهي مادة تنطلق من ركيزة أساسية: (كيفية تحويل المستهلك من حالة أنا أريد الى حالة أنا أحتاج!) وهكذا كان من المفترض أن نبتلع هذه النظرية، ثم نتسارع الى ضرب أمثلة في نجاح الشركات في بلوغ هذه الغاية النبيلة! والحق أن الصورة لم تكن واضحة لي أيامها، ولكني كنت متأكداً حينها بأن شراً ما مضمر في نظرية كهذه. فهناك في العالم من يحتاج فحسب ولا يريد شيئاً ويموت من البرد والجوع، ونحن نكرس حياتنا كمسوقيين لزيادة احتياجات المجتمع الإستهلاكي. وهدفنا كمسوقيين تحت التدريب أن نطعم دودة الاستهلاك هذه، ولا يهم أن تفقع أمعاء المجتمع.
 

أمر آخر نفرني من جو الكلية وما زال هو روح المنافسة الخاوية، التي لا تحمل معنى أكثر من الولع بفكرة المنافسة ذاتها، كنشاط يومي ضروري في الحياة الرأس مالية، وآخر ما يسأل عنه علامَ نتنافس؟ ولمَ؟ أي اختناق كنت أشعر به فيما كان يسمى “عمل جماعي”، لا مناص منه، ففي العمل الجماعي الكل يكره الكل، كره مؤسساتي. نكون أربعة على الطاولة “نعمل” سوياً في مشروع ما، وسرعان ما يقوم أحدنا لدقائق يبدأ الآخرون بنهشه: “أسمعتم ما قال؟ “ “لم يحسن فعل كذا وكذا” يرجع فيستمر العمل وتستسمر المنافسة، وكلمّا ذهبتُ الى الحمام سمعت هسيس الذئاب خلفي، والحقيقة أني كنت أستحق أكثر ما قيل عني لأني كنت أقلهم اهتماماً وتفاعلاً. في إحدى مواد التخصص قدمت ومجموعتي عرضاً لمشروعنا الخاص بتسويق الشاي الأخضر ماركة ليبتون، وعندما جاء وقت الأسئلة سألتني المحاضرة عن مسألة تقنية (كنت أعرف إجابتها) وقبل أن أهم بالجواب نطت ذئبة من ذئاب المنافسة لتسكتني لو كان بإمكانها أن تنحرني وتسيل دمي أمام الفصل قرباناً لإله المنافسة لفعلت منتشيةً.

غير ذلك لا أتذكر أي تأثير شخصي من أساتذة الكلية إلا مدرس القانون التجاري (مقولته عن التاريخ المقتبسة من كرت فوينغت) ومدرس الاستراتيجيا (ديفيد روبنستاين) الذي كان يؤدي عروضاً مسرحية لا تنسى في قاعة المحاضرة. ولكن النَفَسَ العام يشعرك بأنك في مؤسسة تجارية (كما هي الحالة فعلياً) فما بين طالب واستاذ كالذي بين مشترٍ وبائع، -سلم واستلم- ، ومثال على هذا ما قاله مدرس التمويل يوماً لنا بعد أن رأى بعض الطلبة في الفصل لا يولون اهتماماً كافياً لما يقول: ((أتعلمون؟ أنا أضيع وقتي معكم الآن، لعلمكم يمكنني أن أحصل على راتب مضاعف لو كنت أعمل كمستشار في إحدى الشركات الأخرى، فاستمعوا جيداً لما أقول)) ولا زال وجهه التعيس ماثلاً أمامي وهو يتفوه بجملته تلك بنبرة المهزوز

عل أمراً اخرَ حدث بعد تخرجي يعكس جو الكلية، وهو انتحار استاذة المحاسبة الادارية. كانت جذابة مليئة بالحياة، دخلت علينا يوماً حاملة آلة (تقطيع أشجار) كهربائية هائلة لتشرح لنا جزئية في المحاسبة. وفي عام ٢٠١٢، اي بعد ٧ سنوات من تخرجي وجدت جثتها ملقية على الأرض بعد سقوطها منتحرة من أحد مباني مواقف السيارات في مدينة بلومنغتون تحت تأثير الكحول. رحمها الله. الحقيقة أن هذه القصة ربما لا تعكس شيئاً إلا تحاملي على الكلية

 * * * * *

ولكن حالة الغياب الذهني عن مواد التخصص لم تلزمني في مواد أخرى بعيدة عن التخصص، فلا أزال أتذكر بعضها بكل تفاصيلها،

مبادئ الكتابة في الانكليزي:ـ

في السنة الأولى سجلت لمادة مفروضة على كل طلاب السنة الأولى. وهي مبادئ الكتابة الانكليزية، English Composition. وقد أهلني الاختبار في بداية السنة لحضور فصل المتحدثين باللغة الأم، فكنت أنا وشاب هندي آخر من دبي وسط مجموعة من الطلبة الأمريكان. كانت المحاضرة طالبة دكتوراة جميلة من احدى ولايات الجنوب. لا أذكر اسمها ولكن بامكاني رسم ذلك الوجه السمح والشعر القصير. وقد كان الكتاب المقرر عنوانه (Signs of Life in the USA)، مجموعة من المقالات حول المظاهر الثقافية في أمريكا. مقال عن ظاهرة لبس الجينز، وآخر عن صورة المرأة في الاعلانات، ومقال عن المدلولات التاريخية لأسماء سيارات الشركات الامريكا (اكسبديشن، اكسبلورور، شيروكي). هل هذه المواضيع الماتعة يسمونها دراسة أيضاً؟! فقد كنت أقرأ وألخص وأفتش عن صديق أحدثه عما قرأت. لا زلت أتذكر البحث الذي قدمته وهو بعنوان صورة العرب في هوليود، اعتمدت على كتاب لجاك شاهين بعنوان Reel Bad Arabs، وبعد التسليم طلبت المحاضرة أن أقرأ البحث أمام الفصل بصوت عالٍ. أثرت فيّ هذه الطالبة المحاضِرَة، أشعرتني بأن ما أقوم به مهم وجدير بالمشاركة، ولم أقدر عمق هذا التأثير إلا بعد دخولي عالم التدريس. 



مادة أخرى سجلت فيها في عامي الثاني بعنوان مبادئ الفلسفة، ولكني انسحبت منها بعد شهر تقريباً لا أذكر لأي سبب تحديداً. كانت محاورة فايدون لافلاطون محور الاسابيع الأولى، ولا أزال أتذكر هذه المحادثة الساحرة وما تركت من أثر شخصي في: سقراط محكوم عليه بابتلاع السم، يجتمع حوله أصدقاؤه فيعزيهم بمنطق الفلاسفة. الموت منية الروح، تحررها من قفص الجسد والحاحاته، فتسبح في فضاء المعرفة. حركني وألهبني، لمس أسئلة ملحة في كياني، أردت أن أجلس في مقهى وأتحدث عن سقراط، جرأته ورؤيته. ربما أردت أن أكون فيلسوفاً حينها، انسحبت من المادة ولكن سقراط وجليسه افلاطون لم ينسحبا أبدا، أعدت قراءة فايدون ومحاورات أخرى قبل عامين ولا زال التأثير ذاته. ولكن الكتابة عن الماضي تضفي سراً ربما لم يكن موجوداً بتلك الجذوة التي تحملها الكتابة الاستداركية

.
المادة الأخرى التي أتذكرها كانت بعنوان قصيدة البردة عبر التاريخ للبروفيسورة سوزان ستيتكيفيج. مادة تأخذ تاريخ القصيدة من كعب بن زهير الى بردة شوقي مروراً بالبوصيري. ما زلت أتذكر النسيب والمديح والرحيل، والبوصيري الذي كان مخفياً ومجهولاً تماماً لي. أمن تذكر جيران بذي سلم مزجت دمعاً جرى من مقلة بدم، أم هبت الريح من تلقاء كاظمة أو أومأ البرق في الظلماء من إضم. استدرجتني “كاظمة” التي أشعرتني بنوع من فك الاغتراب مع القصيدة. ولكني لم أواظب على الحضور، وقد كلفني ذلك درجات كنت أريد أستردادها، وكانت طريقة بروفيسور ستيتكيفج للحصول على علامات اضافية (بونص) هي كتابة تخميسات على قصائد كعب بن زهير أو النابغة أو البوصيري أو شوقي، أو قراءة وتلخيص بعض القراءات الاضافية ككتاب زوجها ياروسلاف ستيتكوفيتج (صبا نجد) الذي قالت لي بأن من يقرأه بحاجة الى ثلاث شهادات دكتوراه على الأقل ليفهمه
.
اللافت، أنني عندما قررت استكمال دراسة الماجستير في الأدب بعد ٧ سنوات من إتمام مادة بروفسير ستيتكيفج كتبت لها رسالة أذكرها بنفسي طالباً منها أن تكتب لي تزكية لبرنامج الماجستير، وقد فعلت شاكرة. واكتشفت لاحقاً بأنها قد طبعت مقرر المادة في كتاب والكتاب يدرس لطلبة الماجستير في جامعتي. فأي تسهيلات مباركة


ربما يتبع!ـ

Friday, February 14, 2014

Odyssey

The Book of the Dead
XI
The Odyssey

Teiresias to Odysseus in the underworld:

"..... you must take a well-made oar and carry it on and on, till you come to a country where the people have never heard of the sea and do not even mix salt with their food, nor do they know anything about ships, and oars that are as the wings of a ship. I will give you this certain token which cannot escape your notice. A wayfarer will meet you and will say it must be a winnowing shovel that you have got upon your shoulder..."

Wednesday, August 21, 2013

قراءة نقدية لرواية إسماعيل فهد إسماعيل في حضرة العنقاء والخل والوفي ٢٠١٣

قراءة نقدية لرواية (( في حضرة العنقاء والخل والوفي ٢٠١٣))

نشرت يوم الأربعاء 14 أغسطس 2013، في جريدة الجريدة

‎كتب: طارق الربعي

رواية {في حضرة العنقاء والخل الوفي} (2013) للكاتب إسماعيل فهد إسماعيل، عبارة عن رسالة طويلة كتبها الراوي منسي بن أبيه إلى ابنته زينب، هي شهادة على زمن {شارك}، ولا نقول {عاش}، فيه منسي تحت مسمى بدون.

‎منسي بن أبيه بطل الرواية يروي حياته كأنها منفصلة عنه وكأنه لم يعشها، فقد قُرر له اسمه ومسكنه وزيجته وطلاقه واسم ابنته وحتى تصنيفه في هذه {التعليبة} القسرية المسماة البدون. فقد عاش كمن يُجرّ من ياقته دائماً الى ما لا يشتهي، ومن خلال سرد منسي لسيرته الشخصية، تحت هذا المسمى، تتكشف للقارئ تفاصيل قضية البدون التي هي محور هذه الرواية.
‎هذه بعض المحطات التي يقف عندها منسي، في المدرسة يكتشف أنه مختلف عن الطلبة الكويتيين وغير الكويتيين ويبدأ سؤال الهوية. منسي في المطار يُعطى جواز مادة 17 المؤقت ليسافر مع {فرقة المسرح العربي} ويصادر جوازه بعد عودته. منسي في المحكمة يتجلّى أمامه ازدراء قانوني واجتماعي في آن.  منسي وقد أوقفته نقطة تفتيش مرعوباً بلا أوراق ثبوتية. منسي وغزو الكويت، ثم إجباره على الاشتراك في الجيش الشعبي، فهَربه من الخدمة وانضمامه إلى المقاومة الكويتية، وأخيراً محاكمته في محاكم أمن الدولة بعد التحرير وسجنه.
 
منسي البدون

‎وربما لو لم تُسمَّ الشخصية في الرواية واكتفينا بكلمة {بدون} لما اختلفت القراءة كثيراً فيكون البديل مثلاً: مشكلة البدون والتعليم، البدون ورخص القيادة، البدون وحظر السفر، البدون والغزو، البدون والجيش الشعبي، البدون وسؤال الهوية، ولكن بأسلوب سردي قصصي. يبدو لي أن منسياً، كشخصية روائية، وسيلة أو مَعبَر للكشف عن قضايا البدون العامة بثقلها النفسي وهمومها اليومية الإجرائية.

‎ولعلي أختلف هنا في ما تفضلت به مقدمة الرواية سعدية مفرح التي كتبت: {في حضرة العنقاء والخل الوفي حاولت أن تتوغل في الصلب النفسي لهذه الفئة من الناس ، من خلال كائن واحد لا يمكن النظر إليه باعتباره النموذج ، بل باعتباره الحالة الخاصة. ربما للإشارة إلى أن كل فرد من أفراد هؤلاء الفئة، حالة خاصة في سياقها البشري وليست مجرد رقم في سياقها الفئوي العام}.

‎ولعل في ما كتبته سعدية مفرح دلالة على ما يشعر به كثر من ضيق تجاه تخفيض صورة البدون، ولو من باب {التعاطف أو أحياناً الشفقة النبيلة}! إلى ضحية نمطية متكررة من دون الالتفات إلى فرادة الحالة الخاصة الفاعلة.
‎فمنسي، بالفعل، حالة خاصة من جانب سيرته الشخصية وتتابع الأحداث في حياته، لكنه يبقى كشخصية غير حاضر، فكونه من البدون هو المعرّف الأساسي له، فهو البدون منسي، وليس منسي البدون، باستثناء مشاهد في الرواية يكاد يخرج منسي فيها من الإطار المتوقع ليظهر فردانيته.

‎يحدث هذا مثلاً أثناء الغزو العراقي حين يفكر منسي بترك كل شيء وراءه ليهاجر إلى أوروبا عبر العراق، تاركاً أمه وكل ما يعرف، لكنه يتراجع إلى النموذج السلبي (بمعنى غير الفاعل)، وبهذا تكون صورة منسي تكريساً للنموذج وليست تجاوزاً له.
‎ولكن منسياً ليس سلبياً بالمعنى المطلق، فإذا سألنا: أين تكمن الفاعلية في شخصية منسي؟ أي قدرة منسي على أن يكون فاعلاً، رغم ظروفه الخاصة جداً ، وليس مجرد مفعول به، فلن نجدها في تتابع أحداث الرواية وأثرها عليه، إنما فاعلية منسي حاضرة في فعل الكتابة، فرغم تحكّم ظروفه الخاصة به، كان يدّخر فعلاً واحداً كبيراً من خلال الكتابة لابنته زينب.

‎ليست زينب مجرد ابنته التي لم يرها ولم تعرفه، فهي رمز لوطن لا يعرفه ولذاكرة شعبية قد أسقطته، وزينب هذه لا تدري أي شيء ولن تدري، لولا شهادة المنسي، فلا بد من هذه الشهادة حتى يبقى المنسي بن أبيه في الذاكرة.

‎من الداخل والخارج

‎سيظهر لقارئ الرواية أن الكاتب اسماعيل فهد على اطلاع دقيق بقضية البدون وبوقعها اليومي على أفرادها، لكن يبقى طغيان هذا التصريح {بالحالة البدونية}، إن صح التعبير، علامة على أن {في حضرة العنقاء والخل الوفي} شهادة لا بد من أن تكتب من خارج مجتمع البدون لطرحها إشكاليات البدون بطريقة مباشرة، ولاستخدامها لـ{نحن البدونية} التي لم تُساءَل بالشكل المستحق.

‎رغم حذر الرواي في مطلع الرواية من قبول مسمّى {بدون} كاسم نهائي لأفراد الفئة كقول منسي: {في سياقنا يولد الطفل، يكبر وإن حاز وعيه ألمّ بالذي يدور، واجه أبويه، لماذا أنا} (صـ37)، فإن هذا المسمى، في أحيان أخرى، هو المعرّف الرئيس لمنسي، فنقرأ مثلاً: {هناك نوع متفرّد لشيخوخة تصيب البدون دون غيرهم} (ص 122)، أو {أن البدون عامة يبلغون سن الحلم مبكرين} (صـ109)، بالإضافة إلى الشرح المسهب لدهاليز قضية البدون القانونية، والمقاربات بين اضطهاد المرأة واضطهاد البدون، مثل: {ليس البدون وحدهم ضحايا ظلم وانكار وجود، المرأة بدون نوع ثان} (صـ74)، فهذه الوصفية لحالة البدون كحالة كلية جامعة تهدد فرادة شخصية منسي وترجعه إلى أسر النموذج.

‎سماء مقلوبة

‎لو أجرينا مقارنة سريعة مع رواية أخرى كتبت من داخل المشكلة كرواية ناصر الظفيري {سماء مقلوبة} (1995)، سنجد المسألة مغايرة كلياً. تدور أحداث {سماء مقلوبة} في عشيش الجهراء حيث يعيش سليمان عبدالله طفولة مضطربة، بين الفقر والجريمة ومن ثم الاغتراب في اختلاطه مع المحيط الطلابي في جامعة الكويت، فيقرر، في آخر الرواية، أن يهاجر تاركاً كل شيء وراءه على أنه هو ابن العشيش وابن التجربة الجمعية، على عكس منسي الذي كانت ظروف حرمانه من الجنسية خاصة،فسليمان عبدالله شخصية حاضرة بقوة ولها صوتها خارج الأطر النمطية لصورة البدون النموذج ، وأن القارئ ليقرأ الرواية من أولها إلى آخرها ولا يجد كلمة {بدون} مرة واحدة، وأن قارئاً عربياً لا يعرف شيئاً عن قضية البدون سيقرأ قصة سليمان عبدالله فحسب، ذلك الصبي الذي ولد من رحم الأسئلة الصعبة، وإن لم يصرح الظفيري بهذه التسمية القسرية {بدون} فإنه، بدلاَ من التصريح، يلجأ الى المقاربة.

‎مثلاً يصف الراوي سليمان عبدالله الظهيرة قائلاً: {الظهيرة ولا شيء في انتظارنا سوى فراغات، لا حدّ لها، وحيل لا تتغلب علينا، نضب الماء في عروق الأجساد وابيضت ألسنتنا، تشققت شفاهنا، تعثّر الكلام. الظهيرة، ولا شيء يغرينا بالتوقف، فآثرنا أن نستمرّ قاطعين كمائن الظهيرة إلى الظهيرة. نلتقي لا أحد سوانا. نحن الفريق الذي تكوّن بمحض الصدفة الباهتة وتعايش كنتيجة حتمية لأقدار سابقة، منساقاً أمام أقدار لاحقة} (صـ20)، فبدلاً من قبول التسمية على ما هي، فإن الكاتب يضعها محل تساؤل ورفض الفريق الذي تكوّن بمحض الصدفة الباهتة.

‎ومن يقرأ مقدمة رواية {سماء مقلوبة} لسعدية مفرح، أيضاً ، سيلحظ هذا التردد في التصريح بـ{نحن البدونية» وإبقاء مسافة ندية مع مصطلح {البدون}، تكتب سعدية مفرح:
‎{والبدون كما تسمى المشكلة، وكما يسمى أهلها في الكويت، مصطلح يدل على عدد كبير نسبياً من المواطنين الذين يعيشون بدون جنسية تثبت انتماءهم إلى وطنهم قانونياً،لأسباب ملتبسة عدة فاقم من وطأتها الثقيلة عليهم وعلى الكويت، مرور السنوات الطويلة عليها منذ صدور قانون الجنسية في بداية الستينات وحتى الآن بلا حل حقيقي}.

‎ولعل أي قارئ لأعمال أدباء آخرين من فئة البدون سيلحظ هذه المواربة في قبول التسمية، والبحث الدائم عن بدائل واستعارات متتالية لتسمية الذات، بدلاً من قبول التسمية المفروضة بفعل القوة من الآخر، وربما تفسر هذه الحاجة الملحة للاستعارة النشاط الشعري المميز لأدباء البدون، في المشهدين الثقافيين الكويتي والعربي.

‎يقول المفكر جاك رنسير: {نحن المعذبين في الأرض}، جملة لا يمكن أن ينطق بها أي معذب فعلي في الأرض، إنما لا بد من أن تكتب عنه. وهذا قد ينطبق على الكتابة عن البدون من الخارج وتقديمهم كبدون فحسب. في المقابل، {الكويتيون البدون} هذا المسمى الذي بدأ يستقر بين نشطاء البدون أو الكويتيين البدون، يؤكد تعقيد مسألة التسمية الذاتية، وإصرار البدون على خلق فضاء خاص للتسمية}.

‎المسكوت عنه

‎يميز الرواية وضع قضية البدون في إطارها العام، وهو المنسي أو المسكوت عنه في تاريخ الكويت الحديث عموماً. ولعل أبرز معالم ذلك المسكوت عنه الغزو العراقي والتحرير، وما جاورهما من أحداث تخصّ البدون والفلسطينيين.
‎ عندما عرض مسلسل في رمضان عن فترة الغزو العراقي تكشّف حجم المكبوت في الذاكرة الوطنية، عبر التفاعل غير المسبوق مع أحداث المسلسل في مواقع التواصل الاجتماعي.

‎يغربل الكاتب اسماعيل فهد هذا المكبوت، بشكل جاد، في عملية مكاشفة نفسية لمرحلة مفصلية في تاريخ الكويت الحديث، قلّ ما دار الحديث عنها. ثلاث قضايا تحديداً هي محاور ذلك المسكوت عنه: إجبار بعض البدون على الانضمام إلى الجيش الشعبي، اشتراك بعض البدون في المقاومة ضد المحتل، الدور الإيجابي للفلسطينيين المقيمين أثناء الغزو.

‎الرواية في نصفها الأول تذكّر القارئ بالحضور العربي في الكويت ما قبل الغزو، إذ تنظر إلى المجتمع في الكويت من دون الانكفاء عن المواطن الكويتي (هذه النظرة سادت بعد الغزو)، فالكاتب يلمح لنوستالجيا خاصة لمرحلة تعددية عروبية، يتفاعل فيها الكويتي والبدون والعربي. فهذا منسي يسكن وأمه في ملحق في النقرة، يجاوره الرسام ناجي العلي الذي يطلق على منسي لقب {حنظلة البدون}، و{فرقة المسرح العربي} التي يعمل فيها منسي تغادر إلى دمشق لعرض مسرحية لسعدالله ونوس، في لفتة إلى هذا التفاعل العربي، وينعكس هذا التفاعل على مقروئية الرواية، فالرواية لا تنكفئ عن القارئ في الكويت، رغم خصوصيتها، فهي موجهة إلى القارئ العربي، وربما هذا ما يميز جيل الكاتب اسماعيل فهد، تجربته وانتماءه غير المتكلف إلى أفق عربي، إن صح التعبير.

‎أما في النصف الثاني فيختل التوازن الاجتماعي مع أحداث الغزو العراقي، وتبدأ عهود، زوجة منسي الكويتية، بالتشكيك المطلق بولاء زوجها البدون، ويبدأ الآخر يأخذ شكلاً قطعياً على شكل كل ما هو غير كويتي. هذا التحول سيجعل القارئ داخل الكويت يتفاعل في النصف الثاني من الرواية، بشكل أكبر، مع المواضيع المحظورة في الذاكرة الجمعية. وموضوع النصف الثاني من الرواية مهمّ، لما فيه من دعوة إلى مراجعة ما آلت اليه الهوية الوطنية الكويتية من التقوقع والانكفاء على 
محيطها المباشر.

خاتمة

‎الرواية، إجمالاً، مهمة جداً، لما تطرح من موضوعات شائكة ومهملة، إلا أن التعامل مع موضوع البدون، تحديداً، ما زال في طور ما أسميه {استنطاق البدون}، فمع بروز قضية البدون، على الأصعدة كافة، في الكويت، أخيراً، بسبب تحرك وفاعلية البدون أنفسهم على المستوى السياسي، يبقى لنا أن نسأل: هل ما زالت مجدية مسألة استنطاق البدون؟ لا بد من تعاطٍ مدرك لهذه الفاعلية، يتجاوز الاستنطاق إلى ما يشبه الإنصات إلى ما يقدمه البدون على الأصعدة كافة لا سيما الثقافية.

Tuesday, July 2, 2013

Refugee Blues by WH Auden

Refugee Blues a poem by WH Auden:

Say this city has ten million souls,
Some are living in mansions, some are living in holes:
Yet there's no place for us, my dear, yet there's no place for us.

Once we had a country and we thought it fair,
Look in the atlas and you'll find it there:
We cannot go there now, my dear, we cannot go there now.

In the village churchyard there grows an old yew,
Every spring it blossoms anew:
Old passports can't do that, my dear, old passports can't do that.

The consul banged the table and said,
"If you've got no passport you're officially dead":
But we are still alive, my dear, but we are still alive.

Went to a committee; they offered me a chair;
Asked me politely to return next year:
But where shall we go to-day, my dear, but where shall we go to-day?

Came to a public meeting; the speaker got up and said;
"If we let them in, they will steal our daily bread":
He was talking of you and me, my dear, he was talking of you and me.

Thought I heard the thunder rumbling in the sky;
It was Hitler over Europe, saying, "They must die":
O we were in his mind, my dear, O we were in his mind.

Saw a poodle in a jacket fastened with a pin,
Saw a door opened and a cat let in:
But they weren't German Jews, my dear, but they weren't German Jews.

Went down the harbour and stood upon the quay,
Saw the fish swimming as if they were free:
Only ten feet away, my dear, only ten feet away.

Walked through a wood, saw the birds in the trees;
They had no politicians and sang at their ease:
They weren't the human race, my dear, they weren't the human race.

Dreamed I saw a building with a thousand floors,
A thousand windows and a thousand doors:
Not one of them was ours, my dear, not one of them was ours.

Stood on a great plain in the falling snow;
Ten thousand soldiers marched to and fro:
Looking for you and me, my dear, looking for you and me.

Thursday, April 11, 2013

رسالة السكاكيني الى ابنه

خليل السكاكيني يرد برسالة على ابنه سري الطالب في أمريكا
من كتاب (كذا أنا يا دنيا) لخليل السكاكيني ١٩٥٥ (نشر بعد وفاته)ـ

يسألوني ماذا يتعلم سري؟
فأقول: لا يتعلم شيئاً ولكنه يعيش كما يشاء ويشاء له الهوى
يسألونني: ماذا يعمل اذا رجع؟
فأقول: قد لا يعمل شيئا
يقولون: وما اختصاصه؟
فأقول: يلعب التنس ويسبح ويصارع ويأخذ دروساً عالية في الموسيقى
يقولون: لماذا لا ترسله الى بلاد الانكليز فإن الشهادة يحملها من بلاد الانكليز أدعى لرواجه في هذه البلاد.
فأقول: وهل تظنون انه يتعلم ليروج عند الانكليز؟
يقولون: الى أي شيء يميل؟
فأقول: الى الأدب العالمي
فيقولون: وما قيمة الأدب؟
فأقول: نحن نحب ذلك.

أشكر الله ألف مرة يا سرى أنك تتعلم لتفهم الانسان والمجتمع فهماً أوسع وأصح مما اعتاد الناس أن يفهموا. لا أستطيع الآن أن أعلق على كل ما جاء في رسالتك الطويلة الجميلة، وكل تعليقاتك تشف عن بصيرة نيرة وأدب عال وأسلوب لبق رشيق، ولو أردت أن أعلق على ما علقت عليه لما عدوت كلماتك، فأنت أنا وأنا أنت، وحسبنا ذلك فخراً ورزقنا على الله.

عش ما بدا لك يا سري حراً طليقاً وارفع رأسك عالياً وانعم ولذ ولا تبال.


Monday, April 8, 2013

Notes from the undeground


"لم أستطع أن أصبح أي شيء، لم أستطع أن أصبح حتى شريراً. لا خبيثاً ولا طيباً، لا دنيئاً ولا شريفاً لا بطلاً ولا حشرة. وأنا اليوم في هذا الركن الصغير، أختم حياتي، محاولاً أن أواسي نفسي بعزاء لا طائل فيه، قائلاً ان الرجل الذكي لا يفلح قط في أن يصبح شيئاً، وأن الغبي وحده يصل الى ذلك. نعم، وا أسفاه! ان انسان القرن التاسع عشر يجب أن لا تكون له عزيمة، ان انسان القرن التاسع العشر مكره على أن لا يكون له طبع قوي. أما الانسان الذي له شيء من ذلك، أما الانسان الفعّال، فهو في جوهره محدود لا قيمة له." 

 ـ ـ ـ 

ذلك أنه لا بد للمرء حتى يستطيع أن يعمل وينشط، لا بد له من أن يصل أولاً الى طمأنينة تامة، وأن لا يحتفظ بأي شك. ولكن أنّى لي أن أصل الى طمأنينة الفكر هذه؟ أين عساني أجد المبادئ الأساسية التي أستطيع أن أبني عليها؟ أين هي قاعدتي؟ أين أستطيع أن أنشدها ومن أين آتي بها؟


ـ ـ ـ

آه يا سادتي! لعلني لا أعد نفسي على جانب عظيم من الذكاء الخارق الا لأنني طوال حياتي لم أستطع أن أبدأ شيئاً ولا أنهي شيئاً. فما أنا اذن الا ثرثار لا يؤذي، انسان ثقيل مكدر، مثلنا جميعاً. ولكن ما حيلتي أيها السادة اذا كان القدر الوحيد الذي كتب على كل انسان ذكي هو أن يثرثر، أي أن يصب ماء في غربال !




-مقتطفات من نص (في قبوي) لدوستويفسكي 
ترجمة سامي الدروبي. 

Thursday, April 4, 2013

احتفاءات واكتفاءات



أتذكر ولعي واحتفائي عام ٢٠٠٨ برواية رأس النافورة للكاتبة الأميركية -من أصل روسي- آين راند. وهي رواية تقع في ٨٠٠ صفحة، أولعت بها حينها لأنها كانت تشبهني، تحكي عما يدور في دواخلي من فكرة فردانية الإنسان المكتفي بموهبته وقيمته الذاتية ورفضه الدائم لأن يصبح عادياً ومكرراً.  أتذكر أيضاً كيف أن الـ٨٠٠ صفحة كانت غير محكمة الكتابة متوزعة بين أساليب الكتابة الروائية والكتابة الفلسفية والكتابة الوعظية.  ولكن كل ذلك لم يمنعني من الاعجاب والانبهار التام بالرواية وبالكاتبة معاً.  بعد اتمام الرواية وجدت مجموعتها الكاملة في احدى المكتبات واقتنيتها كلها!

أتساءل الآن: بماذا كنت أحتفي؟ بها؟ أم بجهلي بالرواية كجنس أدبي؟
لقلة خبرتي مع الرواية حينها، ربما تساهلت مع نبرة الكاتبة الوعظية الحاسمة التي تلقم القارئ "الحقيقة"، الخير المحض بيّن والشر المحض كذلك، ولعل هذا الحسم يفقد الرواية أهم خواصها ألا وهي تعدد الأصوات ووجهات النظر، أي أن الرواية هي المجال الحيوي لتصارع "الحقيقة".

وبعيداً عن الرواية، فما يزيد من شعوري بالخجل من احتفائي  بتلك الكاتبة، هو ما قرأته في كتبها الأخرى. أتذكر أني قرأت لها في كتاب آخر بعنوان (أسئلة وأجوبة) عن أحقية وجود دولة اسرائيل، وذلك بسبب تحضر الاسرائيليين وتفوقهم التاريخي والحضاري (وربما البيولوجي) على برابرة لا يستحقون أرضاً ليعيشوا فوقها، فالدفاع عن اسرائيل وحقها في البقاء ليس إلا انتصاراً للانسان الفرد المتحضر الحر! (أحاول أن أؤمن بنظرية فصل الكاتب عما يكتب، لكني أفشل دائماً)

وفي موقع آخر بالكتاب تتحدث الكاتبة عن مفهوم الخير والشر في الأدب فتقول بما معناه: ان ما كتبه ميغيل دي سرفانتس (دون كيخوته) عمل شر محض! لأنه يتهكم بـالأنا البشرية (الايغو) القادرة على فعل كل شيء برأيها، وعلى الوجه الآخر مسرحية سيرانو دي برجراك لإدموند روستاند التي تعتبرها خير محض، لأن بطلها سيرانو لا ينكسر وينتصر للأنا أيما انتصار، وبذلك تتحول عملية النقد الأدبي عندها أيضاً الى سلسلة من القواسم والحواسم على شكل "الفرمانات" العسكرية.


‫***‬

مثال آخر هو ما حصل لي مع أدونيس في كتاب الثابت والمتحول، عنوان مخيف وأربعة أجزاء من التحليل للتراث العربي (الشعر-الشرع-الفلسفة-علم الكلام-الحركات السياسية) واحتفاء لا يحد مني بهذه العبقرية! والاحتفاء لا يأتي جزئياً، بل بالجملة، فالكتاب والكاتب وكل ما يقول تماماً كما هو الحال مع آين راند. ولعل هذا النوع من الاحتفاء راجع الى تطرف القارئ المبتدئ.

بعد سنوات من اتمام قراءة الكتاب سنحت لي فرصة لحضور أمسيتين لأدونيس في لندن عام ٢٠١٢، أمسية شعرية وأخرى ندوة عن الصوفية والسريالية، كانت مناسبة لي لتقييم موقعي الآن بعد أربع سنوات من اتمام قراءة الثابت والمتحول، بعد أن حضرت الأمسيتين كتبت انطباعاتي يومها:

أول نشاط كان أمسية شعرية لأدونيس...
‎دخل، أو الوصف الأنسب هو "حضر" أدونيس الى القاعة الرئيسية دون أن يبتسم. وبدأ بإلقاء قصيدته مباشرة بنبرة النبيين، أولئك المصطفين من رب الحداثة ذاته، قرأ ثلاث قصائد، قصيدتان طويلتان وأخرى قصيرة جداً.  قصيدة واحدة استمرت لخمسة عشرة دقيقة متواصلة، خمسة عشر دقيقة من محاولة اللحاق به دون جدوى.  تحولت القاعة فجأة الى سجن، والإلقاء المسترسل الى ضرب من ضروب القمع.  أتذكر أنه كان قد حمل سنبلة الوقت بيديه كثيراً وكان رأسه برج نار أيضاً. ولم أكترث لأن رأسي لم يعد يحتمل.

الندوة الأخرى حملت عنوان جاذباً جداً: (التصوف الاسلامي والشعر). أقنعت نفسي بالحضور للاستماع مرة أخرى رغم تجربتي الأولى مع الأمسية، قلت: أنا أحب أدونيس المنظّر ولا أحب الشاعر أدونيس، ولأني قد قرأت (الثابت والمتحول) و(الصوفية والسوريالية) وكتب أخرى له أردت أن أتفاعل مع "جديده" في لندن 2012. ولكنه للأسف لخص الثابت والمتحول ولخص الصوفية والسريالية كما وردا في النصين الأصلين.

وددت لو أني كنت حينها أقلب قنوات التلفاز واستمع اليه في مقابلة مع أحد المذيعين البلهاء بدلاً من الجلوس في كرسي في قاعة محترمة دون جهاز الريموت.  للجلوس والاستماع مقام مختلف، غالباً الجلوس والاستماع في لندن لمن يستحق.  ما أقصده أن حديثه كان ذا طابع تلفزيوني، كان يبحث عن المانشيت، المقولة الرنانة. يصفصف الكلام متجاوزاً معناه الحقيقي. تغلب الشاعر المحتفل بذاته وبثباته على العارف القابل للتحول، وقد بدا احتفاله الأول بالمتحول كأنه تأصيلاً لثابته.

يقول مثلاً "الشرع والشعر لا يجتمعان." بتفسيره التبسيطي عن مفهوم العام والخاص ولكن يعجبه هذا اللعب، أو مثلاً مقولة أخرى وقد سبقها بالتنبيه الآتي: "اعلم أن هذا الكلام لن يعجب الكثيرين" (وهذا حتى نستعد نفسياً نحن الجالسين المتخلفين) ، فيقول: "الوحدانية بداية الانحطاط الانساني".  مدد يا نبينا. هكذا وبكل بساطة.  حسمها لأن الوحدانية بمنهجه المطمئن تنعكس على جميع نواحي الحياة السياسية والاجتماعية والخ..

يقول أيضاً  "الاسلام لا يعطي المرأة حقوقها"، ثم يلتفت ويقول
بركاكة منهجية مبتسماً وبنبرة المطمئن الى نتائجه: "ولكن اسمعوا ما يقوله المتصوف عن المرأة.. المكان الذي لا يؤنّث لا يعول عليه -وسط شهقات الجمهور-." لو أن ما يقوله في قصيدة لاستوعبته، ولكن هذا الطرح التبسيطي في مقام الجلوس؟  والله لو أني أكتب هذا الكلام في بحث في مرحلة البكالريوس لأرجع الدكتور البحث لي وأمهلني فرصة أخيرة.

انها آفة الإيهام. الإيهام بالنتائج الكلية المسلوقة وبالشَعَر الكث ورخامة الصوت، وعالمية الحضور. كان الايهام واضحاً ليلتها.

أعلم أنني قد بالغت فيما كتبت ولكن لا بأس، أظنها انطباعات تتحمل ذلك.
-انتهى-

كانت هذه المسافة بين احتفائي بقراءتي الأولى لأدونيس والعودة اليه مجدداً شاهدةً على تحولاتي  كقارئ، وهذا التحول ليس من نكران الجميل لما قرأت واستفدت يوماً ما، إنما هو نكران لحالة احتفائي أنا حينها. كنت أحتفي بجهلي التام بالتراث والشعر العربي وأبسط قواعد الربط المنطقي. 


*** 

 أكثر ما يرعبني هو أن تستقر ذائقتي على شيء ما، فأردد في الخمسين ما حفظته في العشرين، وأكون من أولئك المحتفين بالاكتفاء.   

Friday, March 22, 2013

Things Fall Apart


"If I hold her hand

She says 'Don't touch!'

If I hold her foot
She says 'Don't touch!'

But when I hold her waist-beads
She pretends not to know."


Village song in Chinua Achebe's Things Fall Apart.



http://blog.timesunion.com/books/files/2008/04/thingsfallapartcover.jpg

***********************


"Uzowulu's body, do you know me?"

"How can I know you, father? You are beyond our knowledge," Uzowulu replied.

"I am Evil Forest. I kill a man on the day that his life is sweetest to him."

Ch.11 Things Fall Apart. Villagers counseling their god "Evil Forest".
Chinua Achebe R.I.P

Monday, February 4, 2013

عمه فعينك يا نوخذا


سأنقل في هذه التدوينة بعض من التراث النسوي الخاص بأهل البحر في البحرين من كتاب صناعة الغوص لعبدالله خليفة الشملان.





يذكر الشملان فن المراداة وهو فن من الفنون النسوية في الخليج، وهو عبارة عن رقصة شعبية تقوم النساء بها ارتقاباً لوصول البحارة بعد نهاية موسم الغوص أو في الأعياد. وهو أيضاً نوع من التحايل على الانتظار الذي يمتد لأربعة أشهر، فالنساء يتخيلن ما يقوم به الغاصة على المركب، ويتخيلن بأنهن معهم على المركب، ويخططن لاستقبال الغاصة عند وصولهم، ويناشدن النوخذا بالرفق برجالهن.




ومما تنشده النساء: 

يرحني لفطام -- ياخوي واخشمي -- يرحني لفطام
بحور الظلام--  والحير ودتني  -- بحور الظلام


تشتكي من شدة ضغط الفطام (المشبك) على الأنف.
وتشتكي من ثقل الحير (هو الثقل الذي يسرع بالغواص الى الأعماق).  تتقمص النساء دور الغواص (زوجها، ابنها، أخوها، الخ) المتعب وتنشد بلسانه.




ليت من جل وياه -- جل الغضى -- يا ليت من جل وياه
باسمع حكاياه -- باقعد على الفنه -- وباسمع حكاياه
باغوص وياه -- لي غوصوه الهير -- باغوص وياه
باير (أجر) وياه -- في يرة الميداف -- باير وياه


تتمنى المرأة مساعدة الغواص، وتتخيل أنها معه فوق المركب تسمع وتغوص وتجر.

يدفوها (جدفوها) على السيف -- ام الحنايا -- يدفوها على السيف
تير المياديف -- كلها صبيان -- تير المياديف

 
أم الحنايا (اسم مركب في البحرين).  تتخيل النساء عودة الغاصة من رحلتهم.


لا تصلب عليهم -- يا نوخذاهم  -- لا تصلب عليهم
غصب عليهم --  ترى البحر بارد -- غصب عليهم
قطع ايديهم  -- ترى احبال الغوص -- قطع ايديهم



وعن حالة الانتظار والصبر ينشدن:

طي الحصيري --  يا ذا الشهر بأطويك -- طي الحصيري
وييني (يجيني) عشيري -- شهرين والثالث -- وييني عشيري
طي القريطيس -- يا ذا الشهر بأطويك -- طي القريطيس
ويون الغواويص -- شهرين والثالث -- ‬ويون الغواويص



الرازجي من لجليعة -- يانا هبوب --الرازجي من لجليعة
مادرت كم بيعه -- ان العفيفة -- ما درت كم بيعه
الرازجي بنت شيطان  -- اللي تحط -- الرازجي بنت شيطان


الرازجي نوع من ورد الفل تتزين به النساء ،ولا تتزين المرأة في غياب زوجها.  والنساء يتخيلن الغاصة وهم يتكلمون عن عفة نسائهم.

عندما يمر العيد والغاصة في البحر يقلن:

عيدوا به على الهير  عيد الضحايا عيدوا به على الهير
تيس ولد تيس، اللي عيد بهم تيس ولد تيس
(أي النوخذا)


عن "لعبة النساء والبحر" كما يسميها عبدالله الشملان. 

يجتمعن على ساحل البحر، ويقمن باحراق الحطب والقفز والالتفاف حول النار. يحرقن سعف النخل و"يجوون" به البحر.

توب توب يا بحر  شهرين والثالث دخل
توب توب يا بحر ما تخاف من الله يا بحر
يا بحرنا يا الييد هات سنبوك السيد
يا بحرنا يا الجديد هات سنبوك البديد


 
يا الله بريح زلزلات تلوثهم على الحالات
لا أنير (أنجر) ولا آلات
 
‫*‬أنير (أنجر) المرساة: أصلها لنكر من الفارسي

يبهم يبهم خاطفين بجيبهم. (ينطلقون مبحرين بشراع صغير)

ما تخاف الله نوخذا الحبل قصص ايديهم نوخذا
ما تخاف الله نوخذا ستين روبية نوخذا
ما تخاف الله نوخذا قلة ويونية نوخذا
ما تخاف الله نوخذا عمى فعينك نوخذا


وينشدن أيضاً
حطينا الحنا وبار  نشكيك عند الجبار.

*الرسومات بريشة الفنان مصطفى الرزاز



Tuesday, January 8, 2013

Montaigne

If you press me to say why i loved him, I feel that it cannot be expressed, except by replying because it was him and because it was me.

-Michel De Montaigne speaking of his dear deceased friend.
From Essay 28: On Friendship
Cited from Alberto Manguel's "The City of Words."

Saturday, January 5, 2013

"Ah, my dear fellow, you can't fool us that way- you can't fool us.  It is the easiest thing in the world for a man to look as if he had a great secret in him."

-Moby-Dick, by Melville.

Wednesday, January 2, 2013


التقيت قبل فترة وجيزة بإحدى الزميلات في الجامعة من غزة-فلسطين، تحدثنا بعجالة عن الأدب العربي وأخذنا النقاش الى رواية ذاكرة الجسد لأحلام مستغانمي. من جانبي، لم تعجبني الرواية أبداً، الرواية جذابة في بدايتها لكنها في معظمها تصر على نوع معين من عروبة لا أرتاح اليه. ليس من السهل شرح ذلك الآن. قد تشد القارئ في البدايات لكنها مثل بعض الأشخاص أو القطع الموسيقية أو المناظر الطبيعية تبهرك في البداية لكنها لا تترك فيك أي أثر مستدام.ـ

كنت قد قرأتها (لم أكملها حتى النهاية) كجزء من مقرر مادة الأدب العربي الحديث في الجامعة، ولعل كون الرواية أول رواية لامرأة جزائرية تكتب باللغة العربية أعطت الرواية قيمة عالية في الوسط الأكاديمي.  روايات وقصص عادية أخرى مثل قنديل أم هشام ليحيى حقي، وزينب لهيكل، وأولاد حارتنا لمحفوظ أيضاً تدرس ضمن مناهج مادة الأدب العربي الحديث في الأكاديمية الغربية.  وهي برأيي تقرأ لأغراض أكاديمية بحتة كتحليل التاريخ الاجتماعي والسياسي الخ..ـ 

لكني لم أقل كل ما عندي لزميلتي، لأنها سرعان ما بدأت بشرح ولعها برواية ذاكرة الجسد، تذكرها هذه الرواية بحصار غزة عام ٢٠٠٦، لأنها كانت
حينها متبرعة  لاطعام الناس في الملاجئ، وفي استراحتها من ويلة الحصار والموت كانت تستلقي وتقرأ ذاكرة الجسد مع انقطاع الكهرباء المتواصل، فالكتاب مرتبط بتلك اللحظة الخاصة التي عاشتها.  بعدها احتفظت برأيي النقدي تجاه الرواية، واكتفيت بالاستماع الى روايتها هي والكتاب والحصار، وكانت هذه العلاقة رواية أخرى بطلتها هذه القارئة. ولو أني تبجحت وانتقدت الرواية حينها لكنت أفسدت كل شيء حتما.ـ. 

أتذكر أيضاً علاقة والدي -رحمه الله- برواية (موسم الهجرة الى الشمال) للطيب صالح. كان يردد الأسطر الأولى فيها (عدت الى أهلي يا سادتي بعد غيبة طويلة) كمن يردد قصيدة.  قرأتها لأول مرة عام ٢٠٠٢ في ستاربكس-الجامعة في بلومنغتون انديانا، واتصلت به حينها وقلت له: الرواية جيدة، لكني لم أبهر بها.  فكان رده بما معناه : هذه الرواية قرأتها وأنا في السجن وكانت الشيء الوحيد الذي أملك حينها.ـ
 
أغلقت الهاتف ثم التفت حولي وخجلت من مدى سخف رأيي هذا، بل سخف هذا التمحور حول الذات وافتراض بأن رأيي النقدي مهم أساساً. قلت حينها رأيي دون أن أعي أن القراءة والنقد لا يتمان في فراغ. بل القراءة حالة ملتبسة غير محايدة ولا موضوعية، بين لحظة القارئ ولحظة الكاتب. وكما أن لكل كاتب لحظة كتابة خاصة،  فللقارئ أيضاً لحظة القراءة الخاصة، الظرف الذي تمت القراءة فيه، المكان، الحالة الوجدانية والنفسية، الاضاءة، خاصية الطبعة، الأوراق، المزاج، كل الباقة المرافقة للقراءة. هناك علاقات تفرضها الحياة بين عوالم الكتاب وعوالم قارئه، هي فوق كل الاعتبارات والآراء التي تتشكل في مقاعد ستاربكس الوثيرة.ـ
 
 وكذا تقاس الأشياء، فخفف الوطء.ـ

Friday, December 28, 2012

Perfect Man

It is therefore a source of great virtue for the practiced mind to learn, but by bit, first to change about invisible and transitory things, so that afterwards it may be able to leave them behind all together. The man who finds his homeland sweet is still a tender beginner; he to whom every soil is as his native one is already strong; but he is perfect for whom the entire world is as a foreign land. The tender soul has fixed his love on one spot in the world; the strong man has extended his love to all places; the perfect man has extinguished his.

-Hugo of St.Victor (12 th century monk from Saxony) quoted from Edward Said's "Reflections on Exile."

Friday, December 21, 2012

أقرأ وأكتب


‎أتساءل لما بدأت أدون هنا من جديد ؟
لما لا أكتفي بدفاتر خاصة مثلاً؟

عندما سئل راسكولنيكوف (بطل الجريمة والعقاب): "لماذا قتلت العجوز؟"ـ

أجاب: "كنت أريد أن أجرؤ".ـ

وأنا أيضاً أريد أن أجرؤ. وهذه المدونة تعبر عن رغبتي في الجراءة والاقدام على شيء ما.ـ

‎

أسميتها بعجالة: "أقرأ وأكتب"، وأعتقد بأن النصف الثاني من العنوان "أكتب" فيه من المبالغة الكثير.ـ

في البداية تظن بأنك شاعر هكذا لأنك تظن ذلك فحسب، ثم تنتظر طويلاً ولا يمر عليك مركب الشعر أبداً، ثم تستيقظ صباح يوم وتكتشف بأنك لست بشاعر، وتستقر هذه الحقيقة في النفس فترتاح وتطمئن لأنك تعرف موقعك الفعلي لتبدأ من جديد. وكل انطلاقة مشروطة بمعرفة موقعك الخاص في الدنيا.ـ


‎ عن الكتابة يقول كرت فونيغت ما معناه أن الأحرف والكلمات تأتي تلقائياً اذا ما كان لدى صاحب القلم حماساً أو عاطفة شديدة تجاه شيء ما، ولا أعرف تماماً حجم هذه الحماسة المطلوبة.ـ

‎
أعتقد بأن ما قاله فونيغت غير كافٍ، فالعنصر الأهم هو تلك الجسارة المقترنة بالنضج ، كل منهما يحد من قدرة الآخر على التسرع أو التردد. ولا أقصد بالنضج ما قد يفسر بأنه نضج عقلاني أو فكري، أعني إدراك القدرة الإبداعية الحقيقية للذات والعمل من خلالها وليس بتجاوز القدرة الذاتية في الكتابة الى مناطق قد يبدو فيها الكاتب متصنعاً يتعامل مع الكلمات كأنه قد اشتراها بماله.
 ـ

‎ الجسارة إذن هي العائق الأكبر للكتابة. وكلما اتسعت دائرة القراءة ضاقت الجسارة واتسع النضج‫.‬  المحاولات والبدايات تتحول من أشياء متفجرة حارقة الى أشياء ... هرمة‫.‬ وهذا أمر مؤذٍ. ـ


ولعل هذه المدونة تعينني على أن أجد مكاني بين أقرأ-النضج وأكتب-الجسارة.ـ  
‬ 

* * *
البداية فكرة ايجابية، وما أكثر البدايات التي تنسى وينشغل عنها، ولكني سأبدأ ولنرى‫.  ‬

Sunday, August 5, 2012

 مقطع من مذكرات أحمد لطفي السيد:ـ
 "
من هؤلاء أيضاً المتلفسفة المتطيرون الذين يأخذون على ظاهرة قول ملك المفكرين أبي العلاء المعري. يجارون بالشكوى من سوء العيش، يغلون في تقدير متاعب الزواج. ويجنبون على احتمال العناية بالأولاد، ويفضلون الرهبنة والعقم لا خوفاً من الفقر، ولا فراراً من الذل، بل حرصاً على راحتهم وارضاء لأنانيتهم.  يأخذون من الوجود ولا يعطون، يستدينون ولا يؤدون، كأني بأولئك لا يرون الولد الا ثمرة لذة طائفة، ولا يشعرون بمكانة الأبوة وطهارتها ولذتها التي لا تعدلها لذة عند الذين أوتوا قلوباً تعرف أن تحب، وصدوراً رحبة اللذائذ والآلام على السواء، ونفوساً كبيرة تستحي أن تكون مدينة للوجود لا دائنة، مستهلكة غير منتجة. أولئك هم الآباء والأكفاء لشرف الأبوة، وأولئك هم أسعد الانسانية الأكرمون"ـ.

Wednesday, May 9, 2012

موت لاعب

موت مفاجئ


لا أعلم كيف ذهب بي النقر في اليوتيوب الى أن وصلت الى فيديو للاعب مجري يسقط ميتاً على أرض الملعب وهو في الـ ٢٤ من عمره. لقد كان مبتسماً بعد أن أنذره الحكم، ثم انثنى ووضع يديه على ركبتيه ثم بدأ يترنح وسقط كدمية مهملة. بعدها أخذت الكاميرا لقطة لزميله اللاعب الذي وضع يديه على رأسه وصرخ والتفت وكأنه يبحث عن من ينقذه هو الاخر من موته الوشيك.ـ

لقد عصر قلبي مشهد الموت هذا ومن حسن حظه وتعسه أنه لم يكن لقائي الأول مع الموت. ان من يرى الموت أمامه لا بد ان يتغير شيء بداخله الى الأبد. كلنا نسمع بالموت ونحزن ونتكلم عنه ونحزن ايضاً، لكن "خذ ما تراه ودع شيئاً سمعت به،،، "ـ فأن بدر الموت ساطع وحقيقي لأقصى حد.ـ بعد الموت الأول الذي تشهده تدرك ان شيئاً فعلياً قد حدث، تدرك أنك أمام شيء صادق حقيقي مباشر يلمس جوهر الجوهر. انه أكبر منك وأكبر من الدنيا وقلبك الذي كنت تعتقد أنه يسع لكل شيء.ـ

لحظة رؤية موت اللاعب على أرض الملعب استحضرت فيها لقاء جلجامش الأول مع موت صديقه أنكيدو أمامه الذي ظل يتقلب لسبعة ايام وليال قبل ان انتزعت روحه منه وانتهى من أمام بصر الملك الجبار جلجامش. هو  أيضاً عندما رأى صديقه ميتاً أمامه تلفت باحثاً عن اجابة لكل شيء في لحظة وجد شديدة. لكن جلجامش توجه الى اله الآلهة وعبر بحار الموت السبع التي لم يقدر عليها أحد على الاطلاق، ووصل الى أوتنابشتم الذي أباح له بسر الخلود،ـ

لكن ليس للاعب الذي رأى صديقه الذي ابتسم ثم انثنى ثم خر ميتاً
على حشيش الملعب سوى وضع يديه على رأسه دون معرفة الطريق الى اوتنابشتم ولا بحاره السبع.

وليس لي أنا في مواجهة نقرة على اللاتبوب التي أفضت الى موت الا الالتفات حولي والهمس في قلب الفوضى :"انا هنا".ـ

Friday, January 20, 2012

Gelgamesh

"Young man, in your own place you are a nobleman, but there in the mountain what would you be?" The god 'Utu' asks Gelgamesh before his adventure to pursue Evil Humbaba in the mountain.

Gelgamesh replies:

"O Utu, Let me tell you something, may you give thought to it.
In my city a man dies, and the heart is stricken,
a man perishes, and the heart feels pain.
I raised my head on the rampart,
my gaze fell on a corpse drifting down the river, afloat the water:
I too shall become like that, just so shall I be.

Since no man escapes life's end, I will enter the mountain and set up my name."

Translated by Prof. Andrew George from the Sumerian Tablets.

Thursday, June 23, 2011

Between the parted hair
morning eyes smile.

Wednesday, November 10, 2010

Kenko

The Japanese Buddhist Priest 'Kenko'
1283-1350

From Essays in Idleness
Tsurezuregusa

"If man were never to fade away like the dews of Adashino, never to vanish like the smoke over Toribeyama, but lingered on forever in this world, how things would lose their power to move us! The most precious thing in life is its uncertainty."
..

"To sit alone in the lamplight with a book spread out before you, and hold intimate converse with men of unseen generations—such is a pleasure beyond compare."
..

"In all things, it is the beginnings and ends that are interesting. Does the love between men and women refer only to the moments when they are in each other's arms? The man who grieves over a love affair broken off before it was fulfilled, who bewails empty vows, who spends long autumn nights alone, who lets his thoughts wander to distant skies, who yearns for the past in a dilapidated house- such a man truly knows what love means."..

"In everything, no matter what it may be, uniformity is undesirable. Leaving something incomplete makes it interesting, and gives one the feeling that there is room for growth."..

"It is typical of the unintelligent man to insist on assembling complete sets of everything. Imperfect sects are better."..

"What a strange, demented feeling it gives me when I realize I have spent whole days before this inkstone, with nothing better to do, jotting down at random whatever nonsensical thoughts have entered my head."..

"Why is it that even the most careless utterances of the men of former days should sound so splendid?"..

"Mine is a foolish diversion, but these pages are meant to be torn up, and no one is likely to see them."

"Someone remarked that you should give up any art of which you have not become a master by the age of fifty."..